إن الإثبات هو الأساس الذي تقوم عليه قواعد الإجراءات الجنائية منذ لحظة وقوع الجريمة
إلى حين صدور الحكم فيها من السلطة القضائية ، والإثبات في
المفهوم الجنائية هو كل ما يؤدي إلى إظهار الحقيقة، ولأجل الحكم
على المتهم في المسائل الجنائية يجب ثبوت وقوع الجريمة في ذاتها،وهذا يعني إقامة الدليل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم، ويمكن القول أن
الإثبات من الناحية الجنائية هو النتيجة التي تتحقق باستعمال
وسائله وطرقه المختلفة للوصول إلى الدليل الذي يستعين به القاضي
لاستخلاص حقيقة الوقائع المعروضة عليه وفقا لاحكام القانون
، والإثبات الجنائي يمر بمراحل ثلاث : الأولى مرحلة الاستدلالات بجمع عناصر التحقيق والدعوى، والثانية هي سلطة التحقيق الابتدائي والقضائي، فإذا أسفر
هذا التحقيق عن أدلة ترجح معها إدانة المتهم قدم إلى
المحكمة، والثالثة مرحلة المحاكمة وهي من أهم المراحل لأنها
مرحلة اقتناع بثبوت التهمة مبني على اليقين لا الحدس والتخمين
،إما ببراءة المتهم أو إدانته،.
والإثبات الجنائي طرأت عليه تطورات شاسعة بفضل الطفرة العلمية الهائلة في وسائل الإثبات والتي لم تكن معروفة من قبل، فهي طفرة قامت على نظريات وأصول علمية دقيقة واستطاعت أن تزود القاضي بأدلة قاطعة وحاسمة تربط أو تنفى العلاقة بين المتهم والجريمة، وأصبح القضاء يعول عليها كأدلة فنية يؤسس عليها الأحكام بالإدانة أو البراءة، والأدلة الجنائية أنواع : منها ما هو دليل قولي كاعتراف المتهم أو شهادة الشهود ، ومنها ما هو دليل عقلي كالقرائن والدلائل ، ومنها الأدلة المادية التي يبقى لها خصوصيتها، وهي أدلة صامتة لا تكذب أو تتجمل ومن هنا جاءت أهمية الأدلة المادية والتعامل معها بالوسائل العلمية الحديثة .
والأدلة العلمية تعتمد على الأصول والحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في الأزمنة والعصور السابقة ، وقد بدأت تحتل مركزها المناسب في مجال الإثبات الجنائي وذلك بما تمثله من عناصر القوة وبما تتميز به من أصول الثبات والاستقرار والثقة في مصادرها العلمية .
ومن هنا جاءت أهمية سلطة القاضي في تقدير الأدلة العلمية لما لها من أهمية في الإثبات الجنائي الحديث.
وسلطة القاضي في تقدير الأدلة لا تخرج عن إطار أنظمة الإثبات الثلاثة وهي:
نظام الأدلة القانونية، ونظام الإثبات المختلط، ونظام الأدلة المعنوية على أنه : "يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته.
وهناك أسباب عديدة تبرر الأخذ بمبدأ حرية الإثبات الجنائي ؛ منها ظهور الأدلة العلمية الحديثة التي كشف عنها العلم الحديث في إثبات الجريمة ونسبتها إلى المتهم ومثال تلك الأدلة : المستمدة من الطب الشرعي والتحاليل كالأدلة البيولوجية ، والمستمدة من الأجهزة الإلكترونية والحاسبات الآلية كالأدلة المعلوماتية والادلة الجنائيه، وهذه الأدلة لاتقبل بطبيعتها إخضاع القاضي لأي قيود بشأنها، بل ينبغي أن يترك الأمر في تقديرها لمحض سلطة القاضي. وقد تعددت تسميات سلطة القاضي في تقدير الأدلة، فالبعض يطلق عليها مبدأ الاقتناع الذاتي والبعض القناعة الوجدانية للقاضي، والبعض الآخر نظام الأدلة الأدبية وأحياناً النظام الحر للأدلة، ويقصد بكل هذه التعبيرات أن القاضي لا يتقيد بأي قيد أو شرط يفرض عليه ، وإنما هو مقيد بضميره الذاتي البعيد عن الأهواء والأحاسيس الشخصية ، حر في تقدير قيمة الأدلة المقدمة له من قبل الخصوم، ولا دخل لإرادة المشرع في فرض دليل أو تحديد قيمة الدليل، ومع ذلك ليست حرية القاضي في الاقتناع مطلقة، وإنما مقيدة بشروط صحة التسبيب وبضوابط معينة تراقبها طرق الطعن.
كما تعددت محاولات تعريف موضوع السلطة التقديرية للقاضي ولكن هذه المحاولات كانت لها نقطة التقاء واحدة، باعتبار هذا المبدأ حالة ذهنية نابعة من ضمير القاضي النقي وتفكيره المنطقي الذي يكشف عن الحقيقة من خلال تقييمه للأدلة المطروحة في الدعوى وبناء الجزم واليقين على ما يقتنع به من الأدلة دون إلزامه بإصدار حكمه بناءً على دليل معين مقتنع به، وما يقتنع به من هذه الأدلة ورفض ما لا يقتنع به دون رقيب على ذلك،
فالأدلة العلمية الحديثة تثير إحدى المشكلات التي تواجهها السياسية الجنائية المعاصرة وهي كيفية تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة وهي مصلحة المجتمع وضمان تطبيق القانون من ناحية وضمان الحريات الفردية من ناحية أخرى ، فكما أن للأدلة العلمية إيجابيات وفوائد كتسهيل مهمة الكشف عن الحقيقة القضائية ، فإنها قد تعصف بحريات الأفراد وحقوقهم إذا لم يحسن استخدامها ،كانتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد ومعرفة أسرارهم التي يكرهون أن يطلع عليها أحد ، كالأسرار الجينية التي يمكن الحصول عليها من خلال الخريطة الجينية أو الجينوم البشري للإنسان،فما موقف المشرع الجنائي من الأبحاث والتجارب الجينية؟
بما فيها مدى مشروعية استعمال الأجهزة الإلكترونية في التصنت على المكالمات التليفونية وتسجيل الأحاديث الشخصية للأفراد والتقاط الصور في مكان عام أو خاص ، فهل لأجهزة التصنت والتصوير علاقة بانتهاك الحياة الخاصة للأفراد ؟ وما مدى سلطة القاضي في قبول أو رفض تلك الأدلة التي يمكن الحصول عليها من خلال الأجهزة الإلكترونية؟.
يعد موضوع السلطة التقديرية للقاضي الجنائي من الموضوعات المهمة التي لا غنى عنها في القانون الجنائي على وجه الخصوص، فالقاضي الجنائي يسعى لإثبات وقائع مادية ونفسيه، أي ما تخفيه النفس البشرية، بخلاف القاضي المدني الذي يسعى لإثبات تصرفات قانونية، وعليه فلا بد من إطلاق سلطة القاضي الجنائي في الإثبات ؛ للوصول إلى الحقيقة وكشف الجريمة، خصوصاً أن المجرمين لا يرتكبون جرائمهم في العلن، ولا يعلنون مقدما عما ينوون القيام به، مما يعطي أهمية كبيرة لمبدأ السلطة التقديرية للقاضي الجنائي.
إن الدور الذي يقوم به القاضي في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية يتفق مع العقل والمنطق؛ فهو يحقق مصلحتين : مصلحة المجتمع بصفة عامة ،وذلك عندما يشعر الناس بالعدل والمساواة ، ومصلحة المحكوم عليه في التهذيب والإصلاح والحفاظ على حريته الشخصية.
فمنح القاضي سلطة في الإثبات بهدف الوصول إلى الحقيقة له أهمية كبيرة لمبدأ سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة .
وتزداد أهمية الموضوع لجدية وحداثة المسألة التي يتناولها ومدى قبول الأدلة الناتجة عن التكنولوجيا الحديثة في الإثبات الجنائي والتي فرضت نفسها على رجال القانون، خاصة الفقه الجنائي والقضاء، حيث يؤكد المختصون من رجال الطب الشرعي على مدى القوة الاثباتيه الدامغة للبصمة الوراثية وغيرها من الأدلة العلمية الحديثة فهو موضوع جديد لم يسبق البحث فيه ووجود الصعوبة فيه لحداثته وشحت المراجع فيه مما أدى إلى بعض الصعوبات.
"تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب الادله الثابته وليس بالقناعته الشخصية " كما يتصور البعض وانما تحكم المحكمة في الدعوى حسب قناعتها التي تكونت لديها بكامل حريتها ولا يجوز لها أن تبني حكمها على أي دليل لم يطرح أمامها في الجلسة أو تم التوصل إليه بطريق غير مشروع ".
لذا فأن سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة الحديثة تحتاج إلى تحليل من ناحيتين:
أولاً: عن الأدلة الحديثة وعلاقتها بالخصوصية،
ومدى مشروعية هذه الأدلة في انتهاك الحياة الخاصة للأفراد ، ثانيا : تقدير القاضي للأدلة الحديثة كأدلة لإثبات القضايا المنظورة أمام القضاء. وعلى الرغم مما تحظى به الأدلة العلمية الحديثة من مميزات في الإثبات الجنائي ، إلا أن هناك بعض السلبيات كالاعتداء على خصوصيات الأفراد التي كفلتها الأديان السماوية قبل الدساتير والقوانين الوضعية والتي يلزم مراعاتها وجوباً.كما أصبح للصورة دوراً هاماً في ميدان الإثبات الجنائي فهي تعمل على تجسيد الوقائع كما هي إذا لم يطرأ عليها أي تحريف أو تبديل قد يغني عن المعاينة.
وفي نظام الأدلة المعنوية يتمتع القاضي الجنائي بسلطة واسعة في تقدير الأدلة العلمية الحديثة، وتلك السلطة تعد احد خصائص نظريات الإثبات الحديث.
فالبصمة الوراثية هي تلك الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان بعينه والتي تحملها الجينات أو الجينوم البشري.
والبصمة الوراثية أو الحمض النووي D . N . A من الأدلة البيولوجية القاطعة لتحديد هوية الجناة. وهذا يحتاج الى وجود المعامل البيولوجية المتخصصة والخبراء المتخصصون في هذا المجال.بالاضافه الى تسجيل الصوت يعتبر قرينة تساعد القاضي على الاقتناع سواء بالبراءة أو الإدانة. وإذا كانت الوسائل العلمية تفيد في الكشف عن الجريمة وإقامة الدليل على الجاني ، فإنها قد تعصف بحقوق الأفراد وحرياتهم إذا لم يحسن استخدامها،ولذلك فإنه يشترط لقبول الأدلة العلمية توافر شرطين:
أن تصل قيمة الدليل إلى درجة القطع من الناحية العلمية البحتة.
ألا يكون في الأخذ بهذا الدليل العلمي مساس بحقوق الأفراد وحرياتهم إلا بالقدر المسموح به قانوناً.
لذا فاننا نرى عدم مشروعية مراقبة المكالمات التلفونية والأحاديث الشخصية لما تمثله من انتهاك لحقوق الأفراد في حياتهم الخاصة إلا وفق شروط وضوابط قضائية معينة يحددها القانون.
ولضمان الحصول على نتائج صحيحة نوصي أن يجري تحليل الحامض النووي DNA في معامل معترف بها ومستوفية للشروط المتطلبة قانوناً، كما يجب اتباع القواعد العلمية في أخذ العينة أو رفعها وحفظها وتحليلها، ويجب أن يكون أخذ العينة من المتهم في الحدود وبالإجراءات المسموح بها قانوناً.
وعليه فان دورنا كرجال قانون نوصي ونطالب مجلس القضاء الاعلى العمل لتحديث وانشاء أرشيف علمي للمحكوم عليهم الذين صدرت ضدهم أحكام باتة بعقوبات جنائية، وخاصة في جرائم الاغتصاب وهتك العرض والقتل، تثبت فيه بصمة الحامض النووي المميز لكل منهم، مع ربط هذا الأرشيف بمشروع الحاسب الآلي للبصمات المعمول به حالياً لدا التحريات الجنائيه وتحقيق الأدلة الجنائية والربط مع بقية الدول بموجب المعاهدات والمواثيق الدوليه واصدار قوانين تلزم تسجيل البصمة الوراثية لكل مولود عند استخراج شهادة ميلاد وعند إجراء تطعيم طبي حتى يسهل الرجوع إليها عند الحاجة .
والان اصبحح لدينا دليل جنائي حديث وفراغ تشريعي في مجال البصمة الوراثية أو ما يسمى بالحامض النووي D . N .A ولذلك يجب أن يتدخل المشرع في استصدار قانون ينظم العمل بالبصمة الوراثية وباقي جميع البصمات الادله الجنائيه حماية الأموال المعلوماتية، باعتبار أن النصوص الحالية غير ملائمة للتطبيق في ظل التطور المتلاحق لأساليب الجريمة في العصر الحديث .
ونقترح على الجهات المختصة ممثلة بالسلطة القضائية إيجاد قضاء متخصص مدرب للنظر في الجرائم المعلوماتية ومن بينها الجرائم المكشفه بواسطة البصمه الوراثيه وذلك لصعوبة كشف بعض الجرائم وإثباتها والتحقيق فيها كونها تحتاج إلى معطيات خاصة قد لا تتوافر في القضاء العادي.
والعمل على تبادل الخبرات في المجال المعلوماتي والمجال البيولوجي وتكثيف الزيارات الميدانية المتبادلة والندوات الدولية المتعلقة بأدلة الإثبات الحديثة بغية تحقيق الأهداف المنشودة لتحقيق قضاء عادل.ولا بد من التعامل مع الأجهزة الحديثة لاستخلاص الدليل في الوقائع المراد إثباتها.
والإثبات الجنائي طرأت عليه تطورات شاسعة بفضل الطفرة العلمية الهائلة في وسائل الإثبات والتي لم تكن معروفة من قبل، فهي طفرة قامت على نظريات وأصول علمية دقيقة واستطاعت أن تزود القاضي بأدلة قاطعة وحاسمة تربط أو تنفى العلاقة بين المتهم والجريمة، وأصبح القضاء يعول عليها كأدلة فنية يؤسس عليها الأحكام بالإدانة أو البراءة، والأدلة الجنائية أنواع : منها ما هو دليل قولي كاعتراف المتهم أو شهادة الشهود ، ومنها ما هو دليل عقلي كالقرائن والدلائل ، ومنها الأدلة المادية التي يبقى لها خصوصيتها، وهي أدلة صامتة لا تكذب أو تتجمل ومن هنا جاءت أهمية الأدلة المادية والتعامل معها بالوسائل العلمية الحديثة .
والأدلة العلمية تعتمد على الأصول والحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في الأزمنة والعصور السابقة ، وقد بدأت تحتل مركزها المناسب في مجال الإثبات الجنائي وذلك بما تمثله من عناصر القوة وبما تتميز به من أصول الثبات والاستقرار والثقة في مصادرها العلمية .
ومن هنا جاءت أهمية سلطة القاضي في تقدير الأدلة العلمية لما لها من أهمية في الإثبات الجنائي الحديث.
وسلطة القاضي في تقدير الأدلة لا تخرج عن إطار أنظمة الإثبات الثلاثة وهي:
نظام الأدلة القانونية، ونظام الإثبات المختلط، ونظام الأدلة المعنوية على أنه : "يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته.
وهناك أسباب عديدة تبرر الأخذ بمبدأ حرية الإثبات الجنائي ؛ منها ظهور الأدلة العلمية الحديثة التي كشف عنها العلم الحديث في إثبات الجريمة ونسبتها إلى المتهم ومثال تلك الأدلة : المستمدة من الطب الشرعي والتحاليل كالأدلة البيولوجية ، والمستمدة من الأجهزة الإلكترونية والحاسبات الآلية كالأدلة المعلوماتية والادلة الجنائيه، وهذه الأدلة لاتقبل بطبيعتها إخضاع القاضي لأي قيود بشأنها، بل ينبغي أن يترك الأمر في تقديرها لمحض سلطة القاضي. وقد تعددت تسميات سلطة القاضي في تقدير الأدلة، فالبعض يطلق عليها مبدأ الاقتناع الذاتي والبعض القناعة الوجدانية للقاضي، والبعض الآخر نظام الأدلة الأدبية وأحياناً النظام الحر للأدلة، ويقصد بكل هذه التعبيرات أن القاضي لا يتقيد بأي قيد أو شرط يفرض عليه ، وإنما هو مقيد بضميره الذاتي البعيد عن الأهواء والأحاسيس الشخصية ، حر في تقدير قيمة الأدلة المقدمة له من قبل الخصوم، ولا دخل لإرادة المشرع في فرض دليل أو تحديد قيمة الدليل، ومع ذلك ليست حرية القاضي في الاقتناع مطلقة، وإنما مقيدة بشروط صحة التسبيب وبضوابط معينة تراقبها طرق الطعن.
كما تعددت محاولات تعريف موضوع السلطة التقديرية للقاضي ولكن هذه المحاولات كانت لها نقطة التقاء واحدة، باعتبار هذا المبدأ حالة ذهنية نابعة من ضمير القاضي النقي وتفكيره المنطقي الذي يكشف عن الحقيقة من خلال تقييمه للأدلة المطروحة في الدعوى وبناء الجزم واليقين على ما يقتنع به من الأدلة دون إلزامه بإصدار حكمه بناءً على دليل معين مقتنع به، وما يقتنع به من هذه الأدلة ورفض ما لا يقتنع به دون رقيب على ذلك،
فالأدلة العلمية الحديثة تثير إحدى المشكلات التي تواجهها السياسية الجنائية المعاصرة وهي كيفية تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة وهي مصلحة المجتمع وضمان تطبيق القانون من ناحية وضمان الحريات الفردية من ناحية أخرى ، فكما أن للأدلة العلمية إيجابيات وفوائد كتسهيل مهمة الكشف عن الحقيقة القضائية ، فإنها قد تعصف بحريات الأفراد وحقوقهم إذا لم يحسن استخدامها ،كانتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد ومعرفة أسرارهم التي يكرهون أن يطلع عليها أحد ، كالأسرار الجينية التي يمكن الحصول عليها من خلال الخريطة الجينية أو الجينوم البشري للإنسان،فما موقف المشرع الجنائي من الأبحاث والتجارب الجينية؟
بما فيها مدى مشروعية استعمال الأجهزة الإلكترونية في التصنت على المكالمات التليفونية وتسجيل الأحاديث الشخصية للأفراد والتقاط الصور في مكان عام أو خاص ، فهل لأجهزة التصنت والتصوير علاقة بانتهاك الحياة الخاصة للأفراد ؟ وما مدى سلطة القاضي في قبول أو رفض تلك الأدلة التي يمكن الحصول عليها من خلال الأجهزة الإلكترونية؟.
يعد موضوع السلطة التقديرية للقاضي الجنائي من الموضوعات المهمة التي لا غنى عنها في القانون الجنائي على وجه الخصوص، فالقاضي الجنائي يسعى لإثبات وقائع مادية ونفسيه، أي ما تخفيه النفس البشرية، بخلاف القاضي المدني الذي يسعى لإثبات تصرفات قانونية، وعليه فلا بد من إطلاق سلطة القاضي الجنائي في الإثبات ؛ للوصول إلى الحقيقة وكشف الجريمة، خصوصاً أن المجرمين لا يرتكبون جرائمهم في العلن، ولا يعلنون مقدما عما ينوون القيام به، مما يعطي أهمية كبيرة لمبدأ السلطة التقديرية للقاضي الجنائي.
إن الدور الذي يقوم به القاضي في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية يتفق مع العقل والمنطق؛ فهو يحقق مصلحتين : مصلحة المجتمع بصفة عامة ،وذلك عندما يشعر الناس بالعدل والمساواة ، ومصلحة المحكوم عليه في التهذيب والإصلاح والحفاظ على حريته الشخصية.
فمنح القاضي سلطة في الإثبات بهدف الوصول إلى الحقيقة له أهمية كبيرة لمبدأ سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة .
وتزداد أهمية الموضوع لجدية وحداثة المسألة التي يتناولها ومدى قبول الأدلة الناتجة عن التكنولوجيا الحديثة في الإثبات الجنائي والتي فرضت نفسها على رجال القانون، خاصة الفقه الجنائي والقضاء، حيث يؤكد المختصون من رجال الطب الشرعي على مدى القوة الاثباتيه الدامغة للبصمة الوراثية وغيرها من الأدلة العلمية الحديثة فهو موضوع جديد لم يسبق البحث فيه ووجود الصعوبة فيه لحداثته وشحت المراجع فيه مما أدى إلى بعض الصعوبات.
"تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب الادله الثابته وليس بالقناعته الشخصية " كما يتصور البعض وانما تحكم المحكمة في الدعوى حسب قناعتها التي تكونت لديها بكامل حريتها ولا يجوز لها أن تبني حكمها على أي دليل لم يطرح أمامها في الجلسة أو تم التوصل إليه بطريق غير مشروع ".
لذا فأن سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة الحديثة تحتاج إلى تحليل من ناحيتين:
أولاً: عن الأدلة الحديثة وعلاقتها بالخصوصية،
ومدى مشروعية هذه الأدلة في انتهاك الحياة الخاصة للأفراد ، ثانيا : تقدير القاضي للأدلة الحديثة كأدلة لإثبات القضايا المنظورة أمام القضاء. وعلى الرغم مما تحظى به الأدلة العلمية الحديثة من مميزات في الإثبات الجنائي ، إلا أن هناك بعض السلبيات كالاعتداء على خصوصيات الأفراد التي كفلتها الأديان السماوية قبل الدساتير والقوانين الوضعية والتي يلزم مراعاتها وجوباً.كما أصبح للصورة دوراً هاماً في ميدان الإثبات الجنائي فهي تعمل على تجسيد الوقائع كما هي إذا لم يطرأ عليها أي تحريف أو تبديل قد يغني عن المعاينة.
وفي نظام الأدلة المعنوية يتمتع القاضي الجنائي بسلطة واسعة في تقدير الأدلة العلمية الحديثة، وتلك السلطة تعد احد خصائص نظريات الإثبات الحديث.
فالبصمة الوراثية هي تلك الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان بعينه والتي تحملها الجينات أو الجينوم البشري.
والبصمة الوراثية أو الحمض النووي D . N . A من الأدلة البيولوجية القاطعة لتحديد هوية الجناة. وهذا يحتاج الى وجود المعامل البيولوجية المتخصصة والخبراء المتخصصون في هذا المجال.بالاضافه الى تسجيل الصوت يعتبر قرينة تساعد القاضي على الاقتناع سواء بالبراءة أو الإدانة. وإذا كانت الوسائل العلمية تفيد في الكشف عن الجريمة وإقامة الدليل على الجاني ، فإنها قد تعصف بحقوق الأفراد وحرياتهم إذا لم يحسن استخدامها،ولذلك فإنه يشترط لقبول الأدلة العلمية توافر شرطين:
أن تصل قيمة الدليل إلى درجة القطع من الناحية العلمية البحتة.
ألا يكون في الأخذ بهذا الدليل العلمي مساس بحقوق الأفراد وحرياتهم إلا بالقدر المسموح به قانوناً.
لذا فاننا نرى عدم مشروعية مراقبة المكالمات التلفونية والأحاديث الشخصية لما تمثله من انتهاك لحقوق الأفراد في حياتهم الخاصة إلا وفق شروط وضوابط قضائية معينة يحددها القانون.
ولضمان الحصول على نتائج صحيحة نوصي أن يجري تحليل الحامض النووي DNA في معامل معترف بها ومستوفية للشروط المتطلبة قانوناً، كما يجب اتباع القواعد العلمية في أخذ العينة أو رفعها وحفظها وتحليلها، ويجب أن يكون أخذ العينة من المتهم في الحدود وبالإجراءات المسموح بها قانوناً.
وعليه فان دورنا كرجال قانون نوصي ونطالب مجلس القضاء الاعلى العمل لتحديث وانشاء أرشيف علمي للمحكوم عليهم الذين صدرت ضدهم أحكام باتة بعقوبات جنائية، وخاصة في جرائم الاغتصاب وهتك العرض والقتل، تثبت فيه بصمة الحامض النووي المميز لكل منهم، مع ربط هذا الأرشيف بمشروع الحاسب الآلي للبصمات المعمول به حالياً لدا التحريات الجنائيه وتحقيق الأدلة الجنائية والربط مع بقية الدول بموجب المعاهدات والمواثيق الدوليه واصدار قوانين تلزم تسجيل البصمة الوراثية لكل مولود عند استخراج شهادة ميلاد وعند إجراء تطعيم طبي حتى يسهل الرجوع إليها عند الحاجة .
والان اصبحح لدينا دليل جنائي حديث وفراغ تشريعي في مجال البصمة الوراثية أو ما يسمى بالحامض النووي D . N .A ولذلك يجب أن يتدخل المشرع في استصدار قانون ينظم العمل بالبصمة الوراثية وباقي جميع البصمات الادله الجنائيه حماية الأموال المعلوماتية، باعتبار أن النصوص الحالية غير ملائمة للتطبيق في ظل التطور المتلاحق لأساليب الجريمة في العصر الحديث .
ونقترح على الجهات المختصة ممثلة بالسلطة القضائية إيجاد قضاء متخصص مدرب للنظر في الجرائم المعلوماتية ومن بينها الجرائم المكشفه بواسطة البصمه الوراثيه وذلك لصعوبة كشف بعض الجرائم وإثباتها والتحقيق فيها كونها تحتاج إلى معطيات خاصة قد لا تتوافر في القضاء العادي.
والعمل على تبادل الخبرات في المجال المعلوماتي والمجال البيولوجي وتكثيف الزيارات الميدانية المتبادلة والندوات الدولية المتعلقة بأدلة الإثبات الحديثة بغية تحقيق الأهداف المنشودة لتحقيق قضاء عادل.ولا بد من التعامل مع الأجهزة الحديثة لاستخلاص الدليل في الوقائع المراد إثباتها.
تعليقات
إرسال تعليق